ترجمها عن الاسبانية : وليد سليمان
كانت قد ولدت في السويد في 12 جوان 1962. إنها نمرة، حسب الأبراج الصينية. لم يفاجئني ذلك، فقد كشف لي عرّاف قبل سنوات عديدة أنني سأقع في حب نمرة ذات يوم.
بشكل من الأشكال، كنت انتظر ذلك خفية. كنت أعرف حينها أنني سوف أفقد سكينتي وأتعذّب بعنف. أنا ثعبان. ولدت في الشيلي بتاريخ 6 ماي 1953. هي، نمرة. مغناج، محبة للظهور، ومتعوّدة على الغزل. إنها محبة للراحة والأناقة، ولها أفضل المزايا: ماسّة الجمال البديعة.
نخشى بعضنا دائما.
هي ببنطلونها القطني الضيق وبمنديل حريري يغطي شعرها مثل ذلك الذي كان يُسْتعمل في بداية القرن الماضي، كانت تقدّمني من خلال توبيخات أدبية مقنّعة، وتقرأ قصصي المكتوبة بلغة سويدية سيئة. وكانت قصصي الصبيانية تبدو رائعة بصوتها المزيّن ولهجتها السويدية التي تنتمي لمقاطعة "سكانيا". ذلك أن نسغ "سكانيا" يجري في دمها.
كانت هناك أوقات نبقى خلالها وحيديْن، نحتسي البيرة تحت وهج قنديل، ونروي لبعضنا قصصا مطوّلة بنبرة لامبالية دائما، وهي قصص لا تتعلق بنا أبدا، وإنما بشخص أثيري. كنا نبحث عن علامات تقارب، وبقدر ما كنا نحاول التعبير عن المودة، كنا نتهرّب من بعضنا، مثل مبتدئين. قد أبدو خائنا ومتصّلبا، لكنني أعاني الآن من البراءة الأخيرة والخجل الأخير.
نعم، كان يخشى أحدنا الآخر.
هكذا كان يحترق الوقت، سهر بلا جدوى، مُنْهِك ومراهق. كانت تمضي لحالها، وأنا أمضي لحالي، ملتفّين في ليلة رمادية. كنت أهاتفها ما إن أصل إلى شقتي. وكانت هي تهاتفني أحيانا. كنا ندردش، ونخطط لتأسيس مجلة فضائحية، لرحلة طويلة إلى الصين، لتأليف كتاب مشترك. كنا طيلة ساعات نلعب، هي مستلقية على سريرها، وأنا مستلق على سريري، يلفّنا دوار الطيش.
في سريرين مختلفين.
أعتقد أنني قد قلت إن كلانا كان يخشى الآخر.
ذات يوم التقطنا صورا لبعضنا البعض كي يتم استعمالها في مجموعة قصص ايروتيكية من تأليفي. تعرّت بخشوع موديل رسّام كلاسيكي، صورة أنثى متصنعة، اقتربنا من بعضنا، وتلامسنا. التقطنا صورا ذات شبق خفي، هي في حضني، وأنا أداعب فخذيها، فيما كانت تبتسم لي، أو تقبلني. نرسيس ومتلصّص في المرآة. أنا كنت المرآة.
تقول الأبراج الصينية إن العلاقة بين الثعبان والنمرة يمكن أن تكون شبقة. وكانت تلك الليلة شبقة. كانت ساحرة شهوانيّة بشكل لافت، لا ترغب في الحب، وإنما تريد الجنس والجسد والعرق. لم تكن تبحث عن الشفقة ولا عن التحذلق الذي ينشأ أحيانا عن الترف. استيقظت غريزة التسلط لديّ بفضل أوراق شجرها وأحسست أنني رجل شرير لا يفهم القوانين، ووددت لو تنقاد لي. فانقادت لي وقامت بالتجربة. ألقت بنفسها في الفراغ. كنت أنا القاتل وهي المومس الباذخة. في الإيروسية يوجد بعد ميتافيزيقي: لقد قال أحدهم إن الجنس يؤدي إلى اللذة والألم الذي يؤدي بدوره إلى الموت، موت الأوفياء والعشّاق. أمام المشنقة لم تطلب الصفح، بل راحت تغنّي في العذاب. لقد شككتُ في أمور كثيرة، ولكن ليس خلال تلك الليلة.
يا لها من جريمة جميلة: الدم، الحليب، الأزهار، النار، المجوهرات.
أعترف بأنني قد صرت عاشقا، خلال ممارستي الحب، عديد المرات.
حتى أنني فكرت أنني كنت أحبها.
بل وأكثر من ذلك، بعد هذا التهوّر الشبقي والوحشي على الفراش، عدنا إلى الظل، عدنا إلى حالنا الأولى، أنا ثعبان وهي نمرة.
أراهن أن كلانا الآن يخاف من الآخر أكثر حتى من قبل.
هي ستصبح مغناجا من جديد.
كان العراف قد تنبأ بأن العلاقة سوف تكون درامية، وحكاية شغف معقّدة. ولذلك الأمر مزاياه أيضا: لم نكن نشعر بالضجر المتأتّي من رتابة بعض الضروريات. أراقبها بصمت، أجهّز شبكات مراقبة خفية. لا تنجح أبدا.
أحيانا أتأثّـر مثل طفل، وأتمرّغ في الجراح، أحرن وأبكي هذا الحب، وأشعر بقلق يجعلني أحسّ أنني في منحدر ممطر وفارغ. تنهار آلهتي ولا أتمكن من العثور على آلهة جديدة. أصبح في حالة هشة، أدور في الفراغ بمشقة وأعجز عن الكلام.
أكتب هذه القصة الحقيقية لأنها تريدني أن أكتبها.
لقد قالت لي: يا رجل، اكتب قصة عني.
هذه القصة مهداة إليها، هي المغناج، الرقيقة المحبة للاستعراض التي جننتني عديد المرات.
إليك أنت فقط.
أنت لا تحبين أن يروّضك أحد.
هذه القصة قصتك، وكل هذا تعرفينه، مثلما أعرفه أنا. لأنّ العلاقة يغلّفها الذكاء الخارق، ذكاؤك الشمالي الرهيب بالنسبة إلينا، نحن الثعابين المولودين في العام 1953، في بلد مسكين، بلد الفلفل الأسود والغلوّ الذي يسمّونه الشيلي، حيث تنبّأ عراف قبل سنوات أن نتعذب أنا وأنت كثيرا.
هذه القصة مأخودة من كتاب "مذكرات ايروسية لمواطن شيلي في السويد" (منشورات كيبوس وآورا لاتينا، 1992) وننشر ترجمتها العربية بترخيص من المؤلف.
عمر بيريس سانتياغو:
يعتبر عمر بيريس سانتياغو من أبرز الكتاب المعاصرين في الشيلي. وقد ولد في 13 ماي 1953 بسانتياغو الشيلي. بداية من عام 1978 عاش منفيا في السويد لأكثر من عشر سنوات بسبب آرائه السياسية، وهي فترة درس خلالها تاريخ الاقتصاد في جامعة "لوند" السويدية كما ساهم في نشر ثقافة أمريكا اللاتينية في العالم الاسكندينافي خاصة من خلال دار نشر "آورا لاتينا" التي أسسها في السويد.
لدى عودته إلى الشيلي، في بداية التسعينات، أسس "باركي دي لوس كوميكس" وهو مركز للفنون وساهم بشكل كبير في تنشيط الحياة الثقافية في بلده.
من بين مؤلفاته نذكر: عصابة مالمو(1990)- مذكرات ايروتيكية لمواطن شيلي في
السويد (1992)- الأدباء والبحر (2002)- موجز تاريخ فن الهزل في الشيلي (2007)...
Amor Nórdico, cuento de Omar Pérez Santiago, publicado en Suplemento Literario, El Arab, Tunisia, 2009. Traducción de Walid Soliman
No hay comentarios.:
Publicar un comentario